الثقافة الأميركية خطر على الصحة العقلية

خلصت دراسات نفسية عدة أخيراً إلى نتائج مفاجئة أدت إلى احتدام الجدل من جديد حول التأثيرات السلبية للثقافة الأميركية الشمالية، فقد أجمعت كلها أو كادت، أن هذه السلبيات بلغت درجة عالية من الخطورة تجلت بشكل واضح في حوادث إطلاق النار في المدارس، والارتفاع الكبير في استهلاك العقاقير ذات التأثير النفسي المشروع منها وغير المشروع، ومشكلات السمنة والأمراض الجسدية النفسية المتفاقمة ونوبات العنف، وتفشي الشعور بازدراء الأعراف والتقاليد والقيم الشائعة، بإضافة إلى اليأس، بل إن هذه الدراسات تذهب إلى أبعد من ذلك وتعتبر (الحلم الأميركي) أحد أبرز الأسباب الأساسية وراء تدهور الصحة العقلية في أميركا الشمالية، وتدعو إلى مقاومة الفراغ الروحي الأميركي كي لا تنتقل العدوى إلى بقية العالم.

وفي دراسة مدهشة نشرت العام 1998م، أظهر صاحبها (ويليام فيغا)، وهو باحث أميركي في الصحة العامة إلى أي مدى يمكن أن تصبح ثقافة أميركا الشمالية مدمرة نفسياً بالنسبة للأجانب، وقد ركَّز فيها على المهاجرين الذين جاؤوا حديثاً من المكسيك إلى أميركا، وخلص إلى أنهم يكونون في صحة عقلية أفضل لدى وصولهم مقارنة بالأميركيين الذين تبلغ نسبة الخلل النفسي بينهم الضعف، إلا أن الواصلين الجدد يصبحون عرضة للأمراض النفسية كلما طالت إقامتهم في الأراضي الأميركية، وتبين أن احتمال إصابتهم باضطراب نفسي في حياتهم خلال الـ13 عاماً الأولى بلغ 18%، وبعد ذلك تلاشت الحماية التي يوفرها لهم موروثهم الثقافي المكسيكي، وارتفعت نسبة الإصابة بالاكتئاب والقلق، ومشكلات المخدرات حتى ضاهت الأرقام التي تم تسجيلها بين الأميركيين 32%، وتقفز نسبة هذه الأمراض بين المكسيكيين الأميركيين المولودين في أميركا إلى 49%.

ولاحظ (فيغا) أن المهاجرين المكسيكيين الذين شملتهم الدراسة أكثر توازناً من الأميركيين من الناحية النفسية، رغم تدني مستواهم التعليمي ومداخيلهم المالية، وهنا يكمن لب المشكلة. فالمداخيل والتعليم تفقد معناها في عالم يشهد تطوراً في التطلعات الشخصية في ظل مجتمع استهلاكي تطغى عليه وسائل الإعلام، وتراجع الشعور بالرضى عن الوجود نتيجة اندثار الحياة الأسرية بسبب تفشي النزعة الفردية.

وقد لوحظ أن بلداناً نامية مثل الهند ومصر اللتين شهدتا تحسناً واضحاً في الخدمات الطبية والبنية التحتية تعاني أيضاً من ارتفاع نسبة الاضطرابات النفسية بين السكان منذ العام 1985م، ما يعني أن التغييرات التي سمحت بتحسن الخدمات الصحية والبنية التحتية في هذين البلدين هي نفسها التي أدت إلى حدوث اضطرابات كبيرة في الممارسات الثقافية، والعادات الاجتماعية، والتوزيع التقليدي للأدوار في البيت والعمل، ويمكن استعارة ما قاله المفوض الأوروبي المكلف بالصحة وحماية المستهلكين لوصف ما حدث إذا قال: إن الناس حصلوا على ما كانوا يريدون ولكنهم فقدوا ما كانوا يملكون.

وإذا نظرنا عن قرب إلى المعطيات، المتعلقة بالاضطرابات العقلية في العالم يتضح لنا أن زيادة الرفاهية المادية لا يؤدي إلى أي تحسن في الصحة العقلية، بل على العكس، يبدو أن العولمة تجر التدهور العقلي في أثرها، وهذا ما خلص إليه العالم النفسي الكندي (بروس الكسندر) حيث قال: (بما أن مجتمعنا الغربي القائم على حرية الأسواق يمثل نموذجاً للعولمة فإن إدمان المخدرات سينتشر جنباً إلى جنب مع اللغة الإنكليزية والإنترنت وميكي ماوس).

وتتوقع منظمة الصحة العالمية، أن يصبح الاكتئاب أحد الاضطرابات المزمنة الأكثر انتشاراً في العالم بعد الأمراض القلبية مع حلول العام 2020م، وعند ذلك لن يكون المكسيكيون وبقية المهاجرين بحاجة للذهاب إلى أميركا للتشبع بثقافة شمال أميركا، فهي التي ستأتي إليهم لأن الثقافة تعتبر أولى الصادرات الأميركية إلى الخارج.
ادبوسترز

الثقافة الأميركية خطر على الصحة العقلية Ebdc1d17

الثقافة الأميركية خطر على الصحة العقلية Ebdc1d17

الثقافة الأميركية خطر على الصحة العقلية Post1029