من قصائد نزار القباني
يتغيَّرُ – حينَ أُحِبُّكِ – شكلُ الكرة الأرضيَّهْ..
تتلاقى طُرق العالم فوق يديْكِ.. وفوقَ يَدَيَّهْ
يتغيَّرُ ترتيبُ الأفلاكْ
تتكاثرُ في البحر الأسماكْ
ويسافرُ قَمَرٌ في دورتي الدَمَوِيَّهْ
يتغيَّرُ شَكْلي:
أُصبحُ شَجَراً.. أُصبحُ مَطَراً..
أُصبِحُ أسودَ، داخلَ عينٍ إسبانيَّهْ..
***
تتكوَّنُ – حينَ أُحبّكِ- أَوديَةٌ وجبالْ
تزدادُ ولاداتُ الأطفالْ
تتشكَّلُ جُزرٌ في عينيكِ خرافيَّهْ..
ويشاهدُ أهلُ الأرضِ كواكبَ لم تخطُرْ في بالْ
ويَزيدُ الرزق، يزيدُ العشقُ، تزيدُ الكُتُبُ الشِعريَّهْ..
ويكونُ اللهُ سعيداً في حجْرَتِهِ القَمَريَّهْ..
تتحضَّرُ – حينَ أُحبّكِ- آلافُ الكَلماتْ
تتشكَّلُ لغةٌ أخرى..
مُدُنٌ أُخرى..
أُمَمٌ أُخرى..
تُسرِعُ أنفاسُ الساعاتْ
ترتاحُ حروفُ العَطْف.. وتَحْبَلُ تاءاتُ التأنيثِ..
وينبتُ قمحٌ ما بين الصَفَحَاتْ
وتجيءُ طيورٌ من عينيكِ.. وتحملُ أخباراً عسليَّهْ
وتجيءُ قوافلُ من نهديكِ.. وتحملُ أعشاباً هنديَّهْ
يتساقطُ ثَمَرُ المانغو.. تشتعلُ الغاباتْ
وتَدُقُّ طُبُولٌ نُوبِيَّهْ..
***
يمتلئُ البحرُ الأبيضُ - حينَ أُحِبُّكِ- أزهاراً حمراءْ
وتلوحُ بلادٌ فوق الماءْ
وتغيبُ بلادٌ تحت الماءْ
يتغيَّرُ جلدي..
تخرجُ منهُ ثلاثُ حماماتٍ بيضاءْ
وثلاثُ ورودٍ جُوريَّهْ
تكتشفُ الشمسُ أنوثَتَها..
تَضَعُ الأقراطَ الذهبيَّهْ
ويهاجرُ كلُّ النحل إلى سُرَّتكِ المنسيَّهْ
وبشارع ما بين النهدينْ..
تتجمَّعُ كلُّ المَدَنِيَّهّْ..
يستوطنُ حزنٌ عبَّاسيٌّ في عينيكِ..
وتبكي مُدُنٌ شِيعيَّهْ
وتلوحُ مآذنُ من ذَهَبٍ
وتُضيءُ كُشُوفٌ صوفيَّهْ
وأنا الأشواقُ تُحوِّلني
نَقْشاً.. وزخارفَ كُوفيَّهْ
أتمشّى تحت جسور الشَعْر الأسودِ،
أَقرأُ أشعاري الليليَّهْ
أَتَخَيَّلُ جُزُراً دافئةً
ومراكبَ صيدٍ وهميَّهْ
تحمل لي تبغاً ومحاراً.. من جُزُر الهند الشرقيَّهْ..
***
يتخلَّصُ نهدُكِ - حينَ أُحِبُّكِ – من عُقْدَتِهِ النفسيَّهْ
يتحوَّلُ برقاً. رعداً. سيفاً. عاصفةً رمليَّهْ..
تَتَظَاهرُ - حينَ أُحِبُّكِ – كلُّ المُدُنِ العربيَّهْ
تتظاهر ضدَّ عصور القَهرِ،
وضدَّ عصور الثأر،
وضدَّ الأنظمة القبليَّهْ..
وأنا أتَظَاهرُ - حينَ أُحِبُّكِ – ضدَّ القبح،
وضدَّ ملوكِ الملحِ،
وضدَّ مؤسَّسة الصحراءْ..
ولسوفَ أَظَلَّ أُحِبُّكِ حتى يأتي زَمَنُ الماءْ...
ولسوفَ أَظَلَّ أُحِبُّكِ حتى يأتي زَمَنُ الماءْ...