يمكن تعريف الاعتداء العاطفي بوصفه النمط السلوكي الذي يهاجم النمو العاطفي للطفل وصحته النفسية وإحساسه بقيمته الذاتية. وهو يشمل الشتم والتحبيط والترهيب والعزل والإذلال والرفض والتدليل المفرط والسخرية والنقد اللاذع والتجاهل.
والاعتداء العاطفي يتجاوز مجرد التطاول اللفظي ويعتبر هجوما كاسحا على النمو العاطفي والاجتماعي للطفل وهو تهديد خطر للصحة النفسية للشخص. وهو يجئ في أشكال عديدة منها:
o تحقير الطفل والحطّ من شأنه
o البرود
o التدليل المفرط
o القسوة
o التضارب
o المضايقة والتهديد
تحقير الطفل والحطّ من شأنه:
يؤدي هذا السلوك إلى رؤية الطفل لنفسه في الصورة المنحطّة التي ترسمها ألفاظ ذويه مما يحد من طاقة الطفل ويعطّل إحساسه الذاتي بإمكاناته وطاقاته. إطلاق أسماء على الطفل مثل "غبي"، "أنت غلطه"، "أنت عالة" أو إي اسم أخر يؤثر في إحساسه بقيمته وثقته بنفسه خاصة وإذا كانت تلك الأسماء تطلق على الطفل بصورة مكررة.
من الأجدى إن يمارس الوالدين الانتقاد الفعال بمعنى إن ينتقدا فعل الطفل و ليس شخصيته. مثلا عندما تكون درجة الطفل في الامتحان دون المستوى المتوقع منه، فمن الأفضل إن يقال للطفل بأنه لم يستغل وقته بطريقة صحيحة أو انه لم يعط الاهتمام أو الوقت الكافي الذي يحتاجه للدراسة. فكلمات مثل هذه تساعد الطفل على معرفة مكمن المشكلة وتساعده على إيجاد حلول لها ويعلم إن فعله هو المشكلة فلن يؤثر ذلك على نظرته لنفسه على انه إنسان فاشل بعكس إذا ما استخدمت كلمات مثل "أنت غبي"، "لن تفلح أبدا"، "لقد أخجلتنا وأنت عار علينا" فهذه الكلمات تضرب في صميم شخصيته وثقته بنفسه.
البرود:
يتعلم الأطفال كيف يتفاعلون مع العالم من حولهم من خلال تفاعلاتهم المبكرة مع والديهم. فإذا كان سلوك الوالدين مع أطفالهم مفعما بالدفء والمحبة، فإن هؤلاء الأطفال يكبرون وهم يرون العالم مكانا آمنا مليئا بفرص التعلم والاستكشاف. أما إذا كان سلوك الوالدين يتسم بالبرود فإنهم سيحرمون أطفالهم من العناصر الضرورية لتحقيق نموهم العاطفي والاجتماعي. والأطفال الذين يتعرضون للبرود بشكل دائم يكبرون ليرون العالم مكانا باردا مثيرا للسأم والأغلب أن معظم علاقاتهم المستقبلية لن تكون ناجحة. كما أنهم لن يشعروا أبدا بالثقة المحفزة للاستكشاف والتعلم.
مثال على ذلك هو عندما يرسم الطفل لوحة يشعر بالفخر بها ويأتي لوالديه بكل حماس لينظروا فيما يراه هو انجازا ولكنه يقابل بعدم اكتراث أو الصراخ في وجهه بأنه يضيع وقته في أمور غير ذات فائدة. عموما فان الطفل يشعر بالبرود من والديه إذا ما كانوا غير مباليين في التعبير عن مشاعرهم لانجازات الطفل ونجاحاته. مثال أخر على البرود هو عدم حضور الوالدين مدرسة الطفل عندما يدعون إليها خاصة إذا كانت هناك فعاليات يشارك فيها الطفل ويتغيب والداه لسبب لا يراه مقنعا خاصة إذا تكرر ذلك فما يرسخ في عقل الطفل وذاكرته هو إن والداه "لا يهتمان".
التدليل المفرط:
عندما يعلّم الوالدان أطفالهم الانخراط في سلوك غير اجتماعي، فإنهم يحرمونهم من عيش تجربة اجتماعية طبيعية في المستقبل. فالتدليل المفرط لا يساعد الطفل على تعلم واقع الحياة والظروف المحيطة به مما يؤدي لصعوبات في تحمل المسؤولية والمشاعر مع الآخرين في الكبر.
يشمل التدليل المفرط عندما يقول أو يفعل الطفل خطأ يؤثر سلبا على شخصيته (خاصة عندما يكون هذا الخطأ يكرر وأصبح عادة للطفل) فتكون ردة فعل الوالدين سلبية ولا يحاولان تعديل سلوك الطفل لكي لا ينزعج ويعتقدون انه "سوف يصلح حاله عندما يكبر".
صحيح انه يبدو إن الطفل سعيدا بهذا الوضع في الوهلة الأولى لأنه حر بان يفعل ما يريد ولا يرى من يحاسبه أو يردعه، ولكن واقع الأمر ليس كذلك. فالطفل قد يفقد شعوره بالأمان لأنه ترك لوحده إن يقرر من دون إن يشعر بأنه يوجد من يساعده في اتخاذ القرار الصحيح إذا ما اخطأ أو احتاج إلى مسانده. فشعور الطفل بعدم الأمان و التوتر قد يكون له تأثير سلبي على شخصيته خاصة وإذا كان المجتمع و الإفراد المحيطون به لا يقبلون أو يرفضون تصرفاته الغير لائقة.
مثال على التصرفات الغير لائقة و المرفوضة من المجتمع هي عندما يذهب الطفل إلى مجمع تجاري مثلا ويتصرف بطريقة تزعج الآخرين أو إن يلحق خرابا بالمجمع. هذا صحيح ايضا عندما تطلب الأم، من ولدها بأن يدخل البيت بعد لعبه بالخارج وبإصرار شارحة له إضرار كونه في الشارع إلى هذا الوقت، ولكن يصر الطفل على عدم الدخول و البقاء في الشارع فتتراجع الأم وتترك الطفل ليقرر هو متى يريد الدخول. فالطفل الذي يعلم إن آمه لا تتهاون معه عندما يكون الموضوع يتعلق بأمنه مثلا يشعر بالأمان أكثر من الطفل الذي تتسامح آمه معه وتتركه يقرر هو ما يرتبط بأمنه.
القسوة:
وهي أشد من البرود ولكن نتائجها قد تكون مماثلة. فالأطفال بحاجة للشعور بالأمان والمحبة حتى ينطلقوا في استكشاف العالم من حولهم ويتعلموا تشكيل علاقات صحية. أما حين يتعرض الأطفال لمعاملة قاسية من ذويهم فإن العالم لا يعود له "معنى" بالنسبة إليهم وستتأثر كل مجالات التعلم بتجربتهم القاسية وسيتعطل نموهم العاطفي والاجتماعي والثقافي.
مثال على القسوة هو العقاب القاسي لأخطاء لا تستحق هذه الدرجة من القسوة و الأسوأ هو عندما يعاقب الطفل ولا يعلم ما هو خطأه ولماذا يعاقب. مثال أخر على القسوة هو عندما يكون للوالدين توقعات غير واقعية من أبنائهم لا تتناسب مع أعمارهم أو حتى نموهم العقلي والعاطفي.
التضارب:
إن أسس التعلم تكمن في التفاعلات الأولى بين الطفل وذويه. فعبر التفاعلات المنسجمة يشكّل كل منهما الآخر ويتعلم الطفل أن لأفعاله نتائج منسجمة ومتطابقة، وذلك هو الأساس الأول للتعلم. ومن هذه التجربة يتعلم الطفل أيضا أن يثق بأن حاجاته سوف تلبّى. ولكن عندما لا يكون المربي منسجما في استجابته للطفل وتصرفاته، فإن هذا الطفل لن يتعلم ما الذي يجب عليه توقعه من البداية مما سيؤثر على خبرات التعلم لديه طيلة حياته.
عندما يعلم الطفل ما هي ردة الفعل التي يتوقعها لكل فعل، صحيح كان أم خاطئ، فان مهارات الطفل الحياتية سوف تتطور ويتعلم الطفل التفكير بطريقة منطقية. ولكن عندما لا يستطيع الطفل إن يتوقع نتائج افعاله وردود الفعل عليها فعملية التعليم، وخاصة في المهارات الحياتية، تتأثر سلبا فضلا عن أنها سوف تترك الطفل يعيش ضغطا معنويا لأنه لا يعلم يتوقع وما هي عاقبة الأمور خاصة إذا ما أراد إن يبدأ تجربة جديدة.
مثال بسيط على التضارب هو عندما يتصرف الوالدان بطرق مختلفة في أمور متشابهة. مثلا يذهب الطفل إلى مكان ما من غير استئذان فيقوم والداه بمعاقبته بشدة بينما قد يذهب مرة أخرى إلى المكان ذاته من غير استئذان ويتغاضى الوالدان عن ذلك تماما من دون إعطاء إي سبب يمكن للطفل فهمه و استيعابه.
مثال أخر على ذلك هو عندما يكسر الطفل شيء عزيز على الأم في البيت. تحاول الأم إن تفهم الطفل بأنه ارتكب خطأ فادح وان هذا الشيء عزيز عليها وقد يكون سعره مرتفعا وكم هي بائسة ألان بعد فقدانه، فتستخدم العقاب الجسدي و النفسي وتصف الطفل بأوصاف جارحة. ولكن عندما تأتي صديقة العائلة مع أطفالها في زيارة إلى منزل الطفل ويقوم احد أطفال الضيوف بكسر الشيء ذاته، وعندما تغضب الصديقة على طفلها، تحاول الأم تهدئة الوضع وإقناع صديقتها بأنه لم يحصل شيئا مهما وانه من السهل شراء قطعة أخرى مماثلة وبالتالي فأن الطفل لا يستحق العقاب. موقف كهذا يترك الطفل في حيرة عميقة وثقة بالنفس هابطة عندما يرى التضارب و التناقض في تصرف أمه عندما كسر هو الشيء وعندما كسره ابن صديقتها. عندما يشاهد الطفل هذا التضارب وخاصة إذا كان بصورة مستمرة، فأنه يخلف أثارا سلبية على صحة الطفل النفسية وعلى قدرته التعليمية.
المضايقة والتهديد:
وذلك يشتمل على تهديد الطفل بعقوبات شديدة أو غير مفهومة تثير الفزع في نفس الطفل وخاصة إذا ما ترك الطفل ينتظر العقاب ولا يعلم متى وماذا سوف يحل به. قد تصل المضايقة إلى التهديد بتحقير الطفل أمام اصدقائة، كسر يده أو رجله، طرده من المنزل أو حتى قتل حيوان في البيت أو إنسان يحبه الطفل إذا لم يتمكن الطفل من انجاز ما يطلب منه القائم بأمره.
إن أثار المضايقة و التهديد تشبه أثار التحقير وإن كانت تتضمن عنصر ضغط إضافي. والتهديد يفزع الطفل مما يؤدي إلى تشويه نفسيته وتعطيل قدرته على التعامل مع المواقف العصيبة أو الضغوط. فالخوف المستمر وانتظار الأسوأ يهدد إحساس الطفل بالأمان و الطمأنينة مما يولد لديه مشاكل نفسية كأن يصبح دائم التوتر، قليل التركيز ولكن الأمر لا يقتصر على الجانب النفسي فقط إذ قد تظهر عليه أعراض جسدية أيضا الضعف المستمر وعدم القدرة على مقاومة الإمراض. فالطفل الذي يعيش تحت طائلة المضايقة و التهديد المستمر لديه فرصة ضئيلة في النمو النفسي السليم و القدرة على إيجاد علاقات اجتماعية سليمة من دون مشاكل.