بسم الله الرحمن الرحيم
قال النبي صلى الله عليه وسلم : [يأتي على الناس زمان القابض فيه على
دينه كالقابض على الجمر ] رواه الترمذي
ـــ لو تأملنا هذا الحديث لوجدنا أنه يقتضي خبرا ...وإرشادا
أما الخبر : فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه في آخر الزمان يقل الخير
وأسبابه ويكثر الشروأسبابه وانه عند ذلك يكون المتمسك بالدين من الناس أقل
القليل وهذا القليل في حالة شدة ومشقة عظيمة كحالة القابض على الجمر من
قوة المعارضين وكثرة الفتن المضلة ـــ فتن الشبهات والشكوك والإلحاد وفتن
الشهوات وإنصراف الخلق إلى الدنيا وانهماكهم فيها ظاهرا وباطنا وضعف
الإيمان وشدة التفرد لقلة المعين والمساعد ولكن المتمسك بدينه القائم بدفع هذه
المعارضات والعوائق التي لايصمد لها إلا أهل البصيرة واليقين وأهل الإيمان
المتين من أفضل الخلق وأرفعهم عند الله درجة وأعظمهم عند الله قدرا.
وأما الإرشاد :
فإنه إرشاد لأمته ان يوطنوا انفسهم على هذه الحالة وأن يعرفوا
أنه لابد منها وأن من اقتحم هذه العقبات وصبر على دينه وإيمانه ــ مع هذه
المعارضات ــ فإن له عند الله أعلى الدرجات وسيعينه مولاه على مايحبه
ويرضاه فإن المعونة على قدر المؤنة وما أشبه زماننا هذا بهذا الوصف الذي
ذكره الرسول صللى الله عليه وسلم فإنه مابقى من الإسلام إلا اسمه ولا من
القرآن إلا رسمه !!! إيمان ضعيف وقلوب متفرقة وحكومات متشتتة وعدوات
وبغضاء باعدت بين المسلمين وأعداء ظاهرون وباطنون يعملون سرا وعلنا
للقضاء على الدين وإلحاد وماديات جرفت بخبيث تيارها وأمواجها المتلاطمة
الشيوخ والشبان ودعايات إلى فساد الأخلاق والقضاء على بقية الرمق ثم
إقبال الناس على زخارف الدنيا بحيث أصبحت هي مبلغ علمهم وأكبر همهم
ولها يرضون ويغضبون ودعاية خبيثة للتزهيد في الآخرة والإقبال بالكلية
على تعمير الدنيا وتدمير الدين واحتقاره والإستهزاء بأهله وبكل ما ينسب إليه
وفخر واستكبار بالمدنيات المبنية على الإلحاد التي آثارها وشرورها قد
شاهده العيان... ومع هذه الشرور المتراكمة والأمواج المتلاطمة والمزعجات
الملمة والفتن الحاضرة والمستقبلة المدلهمة ــ ومع هذه الأمور وغيرها تجد
مصداق الحديث ... **ولكن مع ذلك فإن المؤمن لايقنط من رحمة الله ولا ييأس
من روح الله ولايكون نظره مقصورا على الأسباب الظاهرة بل يكون ملتفتا
في قلبه كل وقت إلى مسبب الأسباب الكريم الوهاب ويكون الفرج بين
عينيه ووعده الذي لايخلفه بإنه سيجعل له بعد عسرا يسرا وأن الفرج
مع الكرب وأن تفريج الكربات مع شدة الكربات. فالمؤمن من يقول في
هذه الأحوال : لا حول ولاقوة إلا بالله ...وحسبنا الله ونعم الوكيل ..
اللهم لك الحمد وإليك المشتكى .. وأنت المستعان
ويقوم بما يقدر عليه من الإيمان والنصح والدعوة ويقنع باليسير إذا لم
يمكن من الكثير [ ومن يتق الله يجعل له مخرجا ] [ ومن يتوكل على الله فهو
حسبه ] فعلينا بالثقة التامة أن الله هو الواعد ووعده حق ولنكن على يقين
أن الغلبة لهذا الدين وله بحول الله وقوته التمكين حتى يقبض الله الأرض
ومن عليها . أ ... هـ ... بتصرف
المرجع : بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار
للشيخ : عبدالرحمن السعدي عليه رحمة الله تعالى
اخيكم في الله :أمين