أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم) أنَّ فكرة "الحب من نظرة" هي فكرة غير صحيحة، وإنما هو الوَهْمُ من أول نظرة. ولم ينفِ فضيلته أنَّ الأولاد والبنات لديهم تطلُّع لفكرة الحب ذاته، لكن أن يكون هذا الشخص هو الذي يستحقه الشاب أو تستحقه الفتاة وهو فارس الأحلام، فهذا غالبًا ما يكون من التلبيس والوهم
ودلَّلَ الشيخ العودة بدراسة أجراها عالم أمريكي يدعى (جودمان) على عدد كبير من طلاب وطالبات المرحلة الثانوية، وأيضًا في أول المرحلة الجامعية، وأثبتت هذه الدراسة أن فكرة الحب من أول نظرة غير صائبة.
وأوضح الشيخ سلمان في برنامج الحياة كلمة، في حلقة بعنوان (اللقاء)، أنَّ الأكثر صوابيَّةً هي لغة العيون، وتكون أكثر مصداقية بكثرة المخالطة بين الزوجين مثلاً أو بين الأب والأم والأبناء، وأحيانًا كثيرة يعطي الأَبُ أبناءه أوامرَ دون أن يتحدث إليهم بلسانه، وإنما بنظرة من عينيه يفهم الابن أن هذا خطأ، أو افعل كذا واترك كذا، أو أَفْسِحْ المكان، وهذه اللغة هي ما يستخدمها أيضًا المعلم مع تلاميذه والمدرِّس في فصله، وكذلك الأصدقاء فيما بينهم، تكون لغة العيون عندهم معبِّرَة وعميقة أكثر من غيرها، أما اللغة العابرة فهي قد تكون رغبة جسد لجسد، ومن الخطأ تفسيرها على أنها لغة حب، وقد قال الشاعر العربي:
وما نِلْتَ منها غيرَ أنك ناكحٌ بعينيك عينيها وجسمُك خائب
وأشار الشيخ العودة إلى أنَّ لغة العين من أقوى اللغات، وكيف أنها تؤثر، بل تسيطر، على السلوكيات وتراقبها، وتتعدد أقسامها؛ فمنها العين الصادقة، والعين الساخرة، والعاشقة والمتطلعة والجريئة... وقد ذكر الله عين المنافقين الخائفة في القرآن الكريم في قوله تعالى: ((تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ)) [الأحزاب:19]، منتقدًا الإيماءات والإيحاءات الجسدية في وسائل الإعلام والمشبعة بإيحاءات حتى في نظرات العيون تعبر عن الجوع والرغبة، فيتلقَّاها الشباب والفتيات وتصل إلى أعماقهم وتؤثر في سلوكهم.
العين مِغْرَاف القلب
وتابع فضيلته: وليس كل أحد يستطيع أن يقرأ هذه اللغة، وإنَّ القراءة تتفاوت عند الناس، فبعضهم قد يكون فيه عفوية أو سذاجة لا يستطيع أن يقرأ لغة الطرف الآخر، وبعض الناس على العكس عنده قدرة على القراءة والفراسة، ومن ثمّ التعرف إن كان هذا الشخص الذي أمامه مواليًا وموافقًا أو مخالفًا، وإن كان شخصًا صادقًا أو شخصًا مخادعًا أو ماكرًا، وقد قال ابن القيم -رحمه الله-: "إن العين مِغْرَافُ القلب".
وأكد الشيخ سلمان أنَّ قول ابن القيم هو معنًى جميلٌ؛ بمعنى أن القلب في كثير من الأحيان إذا كان صافيًا فإن هذا الصفاء ينعكس على العيون وعلى تعابير الوجه كلِّها، ليس فقط العينين؛ حتى الشفتين والجبهة والوجه بشكل عام، ولذلك فإن كثيرًا من السابقين تحدثوا عن أن العبقرية أو الغباء أو الصدق أو الخيانة تظهر على الوجه؛ وقد فنَّد العقاد -رحمه الله- في عبقرياته هذه النظرية.
واستدرك الشيخ العودة أنه ليس المقصود هو شكل وتقاسيمُ الوجه التي صورها الله تعالى ـ فالشكل يُعَبِّرُ بنسبة قليلة قد تكون 5% مثلًا ـ وإنما المقصود هو هذه الروح التي تدل على مدى صِدق هذا الإنسان، وتعبر أيضًا عما في قلبه من الصفاء، و كلما استطعنا أن نجعل قلوبنا أكثر صفاءً نجحنا.
وأكد فضيلته على أن الإنسان لديه قدرةٌ على أن يجعل قلبه أكثر صفاءً ونقاءً وطِيبَةً، وأن يتعاهد قلبَه، وهنا أتذكَّر قول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ» هكذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- بصفاء قلبه كانت القلوب تَلْتَفُّ حولَه، لأن صفاء قلب الإنسان يجعل هذا ينعكس على وجهه وعلى عينيه وعلى تعامله مع الآخرين.
عيناك قد دَلَّتَا عيني على أشياء لولاهما ما كنتُ أدريها
والعين تعلم من عينَيْ محدِّثِهَا إن كان من حزبها أو مِنَْ أَعَادِيهَا
الانطباع الأول
وتحدث د. العودة عن دراسة قام بها خبير غربي، أجرى فيها اختبارًا على نحو 460 شخصية، فوجد أن 7% من آثار التأثر أو الانطباع كانت من نتيجة الكلام، و38% كانت نتيجة نبرة الصوت، و55% كانت نتيجة لغة الجسد، مشيرًا إلى أن لغة الوجه، ولغة الجسد، وطريقة الوقوف، وتحريك الأيدي أيضًا، كل هذه لها معانٍ كثيرةٌ، جدًّا قد يُعَبِّرُ الإنسان بها.
ووصف فضيلته استخدام العرب أَيَادِيهم كثيرًا في التعبير بأنه أمرٌ إيجابيٌّ إذا أحسنَّا استخدامَه وتوظيفَه بشكل معتدل، وليس بشكل عفوي، مُؤَكِّدًا أن الانطباع الأول عند لقاء شخصٍ لأول مرة قد يكون انطباعًا سلبيًّا، نتيجة الشعور بأن الشخص هذا لا يبالي، أو المبالغة الزائدة، أو كثرة الحديث عن نفسه والتفاخر بذاته، أو يكون ثرثارًا مهذارًا، يتحدث مثلًا بدون انقطاع. مما يعطي انطباعًا سلبيًّا يَضُرُّ ضررًا بالغًا تَصْعُبُ إزالتُه.
ويقول كثيرٌ من الباحثين والدارسين: إنَّ الانطباع السلبي الذي تحمله تُجاه شخص قابلتَه لأول مرة، أصعبُ من عَلاقة طويلة مع شخص صديق تحبُّه ويحبُّك، ثم يتنَكَّرُ لك، مشيرًا إلى أنَّ الثاني يمكن استداركُه، لكن الانطباع السلبي الأول يدوم.
ولفت الشيخ سلمان إلى أن العلماء يقولون: إن الانطباع الإيجابي يتكون من نقطتين:
النقطة الأولى: النظرة المباشرة، وهي أن تضعَ عينيْكَ في عينه؛ لأنك عندما تنظر للشخص تُشعره بقدر كبير من السكينة والطمأنينة، بخلاف ما إذا كنت تحاول أن تتجنب النظر إليه، وكأنك تريد أن تُخفيَ من عينيك شيئًا تريد ألّا يقرأه.
ونوَّهَ فضيلته إلى أنَّ النظرة المباشرة هي نصف الانطباع الإيجابي، والابتسامةَ الصادقة هي النصف الآخر للانطباع الإيجابي، وكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ»، وقال جرير بن عبد الله: "مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلاَ رَآنِي إِلاَّ تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي".
وهنا لا تكون الابتسامة ابتسامةً صفراء ماكرة، وليست ابتسامة المغضَب، مثلما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لما لقي ابنَ مالك، قال مالك: (فَلَمَّا سَلَّمْتُ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ)، معبرًا عن الغضب.. وليست ابتسامةً ميكانيكيةً كما يقع لصاحب المتجر الذي يريد أن يَجُرَّك إلى شراء شيء.. ولكنها ابتسامة صافية، تُعَبِّرُ عن صدقٍ داخليٍّ قلبيٍّ، فإذا اتفق مع هاتين الصفتين تواصلٌ جسديٌّ بالمصافحة، وتواصلٌ قوليٌّ بالكلام الطيِّب، فتسأل الشخص عن حاله، وتنطق باسمه بدلًا ما تقول: حضرة جنابك، أو ما أشبه ذلك.. تقول له مثلًا: يا فلان.. تناديه باسمه، أو بكنيته، كما كان عمر -رضي الله عنه- يقول : ثلاثٌ يُثْبِتْنَ لك الوُدَّ في صدر أخيك؛ أنْ تُفْسِحَ له في المجلس، وأنْ تبدأه بالسلام، وأن تنادِيَهُ بأحب الأسماء إليه.
تحية الإسلام
وبيّن فضيلته أن السلام هو تحية الإسلام، وتكثر الإشارة إلى هذا المعنى في القرآن الكريم ((رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ)) [هود: 73]، والأمر بالتسليم ((فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا))، [النور: 61] ، أمّا السلام على النفس، والسلام على الغَيْرِ فقال: ((فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ)) [النور: 61]، وفَسَّرَه بقوله: إن القرآن الكريم يريد أن يُشْعِرَ الإنسان بأن الآخرين هم كالنفس؛ ولذلك كان في السلام معنًى رائعٌ ورائقٌ وعظيمٌ، وهو إِنْ نظرت إليه على أنه اسْمٌ من أسماء الله، فأنت تبدأ العلاقة مع الآخرين بالمعنى الإيماني الرُّوحاني الصادق.
وأوضح الدكتور العودة أنه إذا فهم الإنسان أنَّ السلام عبارةٌ عن دعاء لهم بالسلامة، فمعناه أيضًا أن تستفتح عَلاقتك معهم بتمني الخير لهم وليس الحسد، وإنْ فهمت أنَّ السلام عبارة عن عَهْدٍ وعَقْدٍ وميثاقٍ، فكأنك حينما تلتقي بأُناس تراهم، فتُلقي عليهم السلام، كأنك تعطيهم العهد والميثاق على أنك ستكون معهم، وستكون عليهم بردًا وسلامًا.
وأشار فضيلته إلى أنَّ الصلاة تنتهي بالسلام عليكم ورحمة الله، فالإنسان أثناء الصلاة مُتَجِّهٌ إلى ربه -سبحانه وتعالى- يختم الصلاة فيُسلِّم على من إلى يمينه ومن إلى شماله، وكذلك في الدخول وفي الخروج أيضًا، إذنْ فالسلام هنا ليس مجردَ تحية معتادة كأي تحية أخرى، وإنما هي تحيةٌ مُشْبَعَةٌ بمعاني الوُدِّ والصفاء والعهد والميثاق، وأيضًا مُشَبَّعَةٌ بأطيب التمنيات، خاصةً إذا تفكَّرْنَا في الألفاظ، مثل لفظ السلام.
ويُنَوِّهُ فضيلته إلى الكم الهائل الذي يحمله السلام من الألفاظ الربانية الجميلة، التي هي إضافةً إلى هذا كُلِّهِ ذِكْرٌ لله -سبحانه وتعالى- وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر أنه «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا فَلَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً»، يعني حسرةً وندامةً يوم القيامة، فمجرد إلقاء السلام هو ذِكْرٌ لله، وذكرٌ لأسماء الله، ودعاءٌ للمسلمين، وتحقيقٌ لأجمل المعاني، ففيه التوحيد، وفيه الأخُوَّة، وفيه دُعَاءُ الله -سبحانه وتعالى-، و«الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ» كما قال النبي، صلى الله عليه وسلم.
وأكد الشيخ سلمان أن للمصافحة صِيَغًا كثيرة، ومنها أن يُمسك أحد الأشخاص بيدك ثم يضغطها بقوة شديدة كما يقولون "بقبضة من حديد"، مشيرًا إلى أن المصافحة هنا يكون فيها نوع من السيطرة، منتقدًا المصافحة السريعة والعابرة، كالتي يقوم بها بعض الشباب، وقال: يجب أن تكون المصافحة حارَّةً، وفي الوقت ذاته تكون معتدلة، ليس فيها أن يقوم أحد بهَرْس يد الآخر، وفي الوقت ذاته لا تكون مُصَافَحَةً بأطرافِ الأصابع!
وبيَّنَ فضيلتُه أن السلام والمصافحة وتوابعَها مما شَرَعُه ربنا -سبحانه وتعالى- لتقريب قلوب المؤمنين، مشيرًا إلى أنَّه أحيانًا يصافحك إنسان، فتتمنى أَنْ لم يصافحْك؛ لأن نتيجة المصافحة عكسية باهتة، جعلت هناك نوعًا من الصدمة في النفس ؛ ولذلك إن لم تُؤَدِّ المصافحة مفعولَهَا الجيِّد، تكون صدمة في النفس، بينما أحيانًا بعض الناس حين يُصافحُك باعتدال يضع يده اليسرى أيضًا، يَحْضِن بها يدك الثانية، كنوع من الحميميَّة.
ولفت الشيخ سلمان إلى أنه على اختلاف عادات الشعوب في المصافحة إلاَّ أنَّها تُعَبِّر عن اتصال بقدر ما، وأنه ليس هناك فواصل، بمعنى أنه ليس كلُّ فرد يدور في فَلَكٍ بعيد عن الآخر، فكل شعوب العالم برغم عاداتها المختلفة إلا أن فيها قدرًا من التماسِّ -إن صح التعبير.
للاستماع إلى الحلقة
http://www.islamtoday.net/radio/mediashow-110-2322.htmمنقول
صحيفة هادف الإلكترونية