أحلام امرأة ريفية (قصة قصيرة)
لان الحلم يولد مع الإنسان ، لأنه رفيق كالخيال ، فليس من السهل التنازل أو التفريط فيه .
لان كل إنسان من بني البشر يرى في حلمه عالمه الصغير، قلعته الحصينة.
أحلامنا تختلف ، ألامنا تختلف ، أحزاننا تختلف
... ولدت كغيرها من البدويات ، في المهد تنفست رائحة الطين ورضعت حليب البقر وأطعمت كسرة الشعير ، تعودت أن تصحو مع أولى صيحات الديك ، اعتادت سقي الماء من العين .
" ماتنسيش باش تصلحي الزريبة وتوصلي الشويهان للراعي " شريط أزلي تردده الأم خيرة يوميا على مسامع ابنتها .
على الرغم من ذكائها الفريد وعلى الرغم من تفوقها في مقاعد الدراسة إلا أن والدها وضع حدا لحياتها الدراسية رافضا تنقل الفتاة إلى المدينة لإتمام دراستها المتوسطية .
لم تقنع توسلاتها ولا حتى تدخلات معلمها أمام رغبة جامحة تملكت فكر الأب رجل رأى في المرأة مخلوقا سخر للطهي والكنس والغسيل ونومة الفراش .
حصار أبوي رأت فيه الفتاة دكتاتورية أبوية حطمت أحلامها وأجهضت آمالها واعتقلت أمانيها.
بداخل قلبها تجسدت كراهية شديدة لأهل البدو وأفكار الريف، كرهت لحطب والغنم والبقر والحشيش والرماد وكل ما يرمز إلى الريف.
أحبت المدينة ولم ترها ،حلمت بالسيارة ولم تركبها ، تمنت الحمام ولم تدخله ،أشياء علقت بذهنها من خلال حكايات صديقتها "فتيحة".
كانت مرهفة الحس، تعشق الحياة، تحلم بان تخب رجلا ذات يوم.. رجل ينتشلها من بقعة الريف.. إنسان يعشقها بقوة وجنون كما عشق" قيس ليلاه ".
كانت تحس بالتخلف والدونية عن ركب الحضارة كلما زارتها صديقتها أين كانت تحمل إليها كل جديد عن المدينة.
"ثوب الزارجي " ولم الشعر بالفورانة ونعل النيلو " معالم اشمأزت منها نفسيتها ، تمتلك رغبة شديدة في التخلص من هذه المآسي ولكن كيف ؟.
لقد اختار الأب "قدور الراعي" زوجا لابنته... "البنيه راني مديتها للقدور الراعي راهو بباه خطبها مني اليوم ، والخميس الجاي يعقد عليها والصيف و كي نرفدو الغلة يكون العرس " قال الأب :
ردت والدتها: "قدور الراعي كيفاش مديت بنتك للراعي" .
انفجر الأب صارخا: "راجل كيما الرجال ومضمون إذا اداها ما يردهاش "...
في الدار المجاورة كانت هذه الكلمات تتساقط على مسامع البنت كدوي قنابل متفجرة قطعت أوصالها كأعاصير البحر الهوجاء . ينهمر بدل الدمع دما وشفتها تردد : " قدور الراعي كيف أتزوجه" ؟ لكن أبي أعطاه كلمة ومن المحال أن يتراجع عنها.
كانت هذه جموع أسئلة صالت وجالت بفكر الفتاة ، فكرت جليا في مقابلة" قدور الراعي" لتبلغه رفضها الزواج منه لكنها على علم بأنه لا يفهم في أمور الحب والاختيار .
تسارعت الأيام وتسارع معها نبض الفتاة ، قلب يرفض سلطة الأب ويمقت عيش الريف ، قلب أحب الطلاقة وعشق الحرية ، حلم بالحياة زهرة يانعة وبستان نرجس بديع ...
كلما اقتربت نهاية الأسبوع إلا وازداد مؤشر الخوف من عقد القران... في الجهة المقابلة كان "قدور الراعي يعانق السماء فرحا عند كل صبيحة يرافق فيها قطيع الغنم إلى المرعى.
" الهروب"لا حل غيره، عنوان أمنية رأت فيها الفتاة مخرجا من معاناتها.
ذات ليلة شديدة السواد تسللت الفتاة من بين أفراد أسرتها بحجة أنها نسيت ربط الحمار فكان الخروج الذي لا عودة بعده.
في المدينة استقرت تعمل خادمة في إحدى بيوت الأثرياء تكنس وتطبخ وتغسل، لاشيء تغير ماعدا نوعية المكنسة فمن " الدوم إلى المكنسة الكهربائية، ورائحة الطبخ تغيرت من حليب وشعير إلى سمك وعصير وفاكهة...
انكسرت النفس وانحطت الكرامة تحت ذل الأمر والنهي، حقيقة باتت تنام وتصحو عليها الزهرة.
لقيصر مدريسة .
ملاحظة: استعملت بعض العبارات التي تتعلق باللهجة الجزائرية في الأرياف لذا اعتذر لكل من لم يفهم البعض منها.