كيف رأى الرحالة الأجانب مكة والمدينة ؟
الجزا الاول :
مع بدايات القرن التاسع عشر تعدى الانجذاب إلى الشرق مرحلة الدهشة والانبهار لدى الرحالة الأوربيين إلى محاولة اكتشاف جديد للشرق والرغبة في معرفة أدق عن الآخرين.
ما بين روائع آيات الماضي ومعاقد التاريخ من ضفاف النيل الخالد وطور سيناء إلى بيت لحم والناصرة وبيت المقدس إلى مكة والمدينة إلى ما يحف بهذه الأصقاع من آثار مقدسة وما نهض في هذه أحضان هذا التاريخ من إبداعات فكرية وحضارية ... تكونت حصيلة ضخمة من معارف أوروبا عن الشرق شكلت ما عرف بـ (علم الاستشراف ) وتلقى المستشرقون تدريبا أكاديميا مكثفا وأصبح لكل جامعة أوربية برنامج دراسي كامل في الاستشراف وقد حظي هذا الاتجاه بالدعم المالي من الحكومات والجمعيات والمؤسسات العلمية كذلك لا يمكننا تجاهل الدور الكريه الذي لعبه هؤلاء المستشرقون في التمهيد للاستعمار الأوروبي وتوسعهم فكانت عيونهم تجوس بلاد الشرق ولم يكن ما كتبوه مجرد تسجيل لانطباعاتهم فنجد كثيرا من التفاصيل في عرض دقيق للجغرافيا السياسية والاقتصادية وحفص للتقاليد وأنماط السلوك ودراسة للأوضاع الاجتماعية والثقافية والإدارية والاستحكامات الدفاعية لا تخلو من نوازع سياسية واستكشافات لما يحقق مصالح دولهم .
"بوركهارت" أو الشيخ إبراهيم :
من أوائل الرحالة المستكشفين لبلاد العرب في عصر الإمبراطورية العثمانية المستشرق ( جون لويس بوركهارت ) الذي ولد بمدينة ( لوزان ) بسويسرا في 24 سنة 1484 وعندما أتم دراسته الأولية تحق بمدرسة ( نوف هوتيل ) الثانوية وفي عام 1800 التحق بالجامعة ليبزيج ثم درس بجامعتي لندن وكبريدج: اللغة العربية وعلم الفلك وعلم المعادن والكيمياء والطب والجراحة قبل أن ترشحه ( الجمعية الإفريقية ) للقيام برحلة استكشاف في إفريقيا .
وأطلق لحيته واتخذ هيئة شرقية وفي فترات الراحة بين أعماله كان يتدرب على القيام بجولات طويلة سيرا على قديمه وعرض نفسه كثيرا لأوار الشمس وتوسد الأرض وعاش على الأطعمة البقولية ودرب نفسه على مقاومة العطش ...
وفي 2 مارس 1809 يغادر انجلترا ليقضي ثلاث سنوات في سوريا متخفيا في زي تاجر مسلم وفد من الهند باسم الشيخ ( إبراهيم ) مزودا بتوصيات من إدارة شركة الهند الشرقية وتنقل ما بين حلب ودمشق وتعمق في دراسة اللغة العربية وآدابها ثم توجه إلى لبنان وحورانا وكان أول أوروبي يشهد آثار ( البتراء ) ثم سلك طريق الحج إلى القاهرة وقد حالت ظروفه الصحية دون أن يواصل رحلته إلى فزان والنيجر – الهدف الرئيسي – وقام برحلة إلى بلاد النوبة ومنها اخترق الصحراء إلى ( سواكن ) ثم عبر البحر الأحمر إلى جدة وأنجز رحلته في بلاد العرب ( 1814 – 1815 ) زار فيها مكة والمدينة أعقبها برحلة إلى سيناء وخليج العقبة ثم استقر في القاهرة حيث لا تزال ماثلة آثار قدمي نابليون على ضفاف نيل مصر ووافته المنية في 15 أكتوبر سنة 1817 – ودفن بلقب الشيخ والحاج إبراهيم في مقبرة خاصة في الجنوب الشرقي من باب النصر...الملاصق للقاهرة الفاطمية.
ومؤلفاته هي : رحلات في بلاد النوبة والسودان 1819 – رحلات في سوريا والأرض المقدسة 1822 – رحلات في بلاد العرب 1829 – ملاحظات عن البدو والوهابيين 1830 – الأمثال العربية 1830 ومن كتابه الشهير ( رحلات في بلاد العرب ) ... نقدم هنا هذه الصفحات من رحاب مكة والمدينة .
عن مجلة العربي – مقال للكاتب – عرفه عبده علي – لقيصر – مدريسة -