كيف رأى الرحالة الأجانب مكة والمدينة ؟
الجزء الثاني:
العمرة
وقد روى لنا بوركهارت انطباعاته عن مناسك العمرة فقال : " وبعد الانتهاء من طقوس قص الشعر يكون الزائر متأهبا للإحرام فيطرح عن ملابسه المعتادة وإذا شاء فليبدأ من هنا – بالقرب من المروة – وعلى الفور في أداء مناسك العمرة في هذه الحال يرتدي على زي الإحرام ويصلي ركعتين وربما في حالات نادرة خلال مناسك الطواف والسعي يمكن للزائر الذي حل به الاجتهاد والرهق أن يحمله شخص أو أكثر أو يحمل على محفة . بعد يحق للزائر أن يرتدي ملابسه العادية لكن عليه في أي يوم لاحق ( التعجيل أفضل ) أن يستأنف الإحرام وبنفس الطقوس الذي لاحظتها في الانطباع الأول يتوجه إلى العمرة من مكان يبعد إلى مكة نحو ساعة ونصف الساعة فيؤدي ركعتين في مصلى صغير وطول طريق يظل ينشد صيحات دينية تسمى (التلبية ) ... وتبدأ بهذه الكلمات " لبيك اللهم لبيك " ويجب عليه أن يتم الطواف والسعي مرة أخرى وأن يحلق رأسه بالكامل ثم ينضو عنه زي الإحرام مختتما هذه الطقوس .
الزيارة للعمرة فريضة شرعية واجبة لكن بعض الناس – بالرغم من ذلك – لا يلتزمون بها . في اليوم الثالث من وصولي إلى المدينة رغبت في المشي – عند منتصف الليل – انسب الأوقات خلال فصل الصيف.
في موسف الحج تعاد كل هذه المناسك عقب العودة من الوادي منى وبعد اخذ قسط من الراحة في مكة لا بد من الطواف بالكعبة فالقيام بهذا التقليد في غاية الأهمية بعض القرباء المقيمين في مكة يؤدون هذا المنسك مرتين يوما في المساء وقبل بزوغ النهار .
والزيارة للعمرة كانت كذلك تقليدا قديما وقد أبقى "محمد " على هذه العادة المألوفة ولقد حل بـــي الإرهاق عقد أداء مناسك الطواف والسعي حلقت جزءا من شعر رأسي وظللت جالسا بمحل الحلاقة ولا اعرف مكانا آخر للراحة... خلال شهر رمضان ألف مصباح تضيء الجامع الكبير تجعل من الليل أمانا لكل الغرباء في مكة والليل بعد انقضاء رمضان لا يقدم تلك الاستعراضات البراقة والاحتفالات المرحة التي نراها في بلاد الشرق الأخرى .
وكما هو معتاد في مناسبة هذا العيد قمت بزيارة إلى القاضي وفي اليوم الثالث شرعت في الرحيل إلى جدة واستكملت كل مستلزمات رحلتي خلال طريقي إلى المنطقة الساحلية كنت أشبه باسير في الصحراء .
امتدت إقامتي بجدة إلى ثلاثة أسابيع بالرغم من انتشار بعد الأمراض المعدية وعدم توافر الأمن عن الإطلاق .
في منتصف أكتوبر عدت إلى مكة بصحبة غلام اشتريته وهذا العبد كان ضمن قافلة قادمة من ( سواكن ) وأخذت معي حمولة جمل من المؤن في معظمها: طحين وبسكويت وزبد وهي تعادل في جدة ثلث ثمنها في مكة.
فور فصولي استأجرت شقة مناسبة بأحد أحياء المدينة يسمى ( حارة السفلة ) واستمتع هنا بمشهد عدة أشجار ضخمة تجتمع أمام نوافذ شقتي... في هذا المكان استمتع باستقلال وحرية احسد عليهما لا اعرف سوى القاضي وحاشيته... والباشا وبلاطه بقصر الطائف منذ موسم الحج أتردد فقط على اجتماع ذلك النوع الذي يسمح لي بالامتزاج بحشد من الحجاج الأجانب القادمين من كل البلاد العالم وذا سئلت عن جنسيتي ' وهذا أمر نادر الحدوث في مكان كهذا مليء دائما بالغرباء ) أقدم نفسي وبتواضع كعضو بالفيلق المملوكي بمصر ووجدت من الأفضل أن أتجنب هؤلاء الأشخاص الذين يعرفون جيدا هذا البلد وربما يمكنهم ملاحظة واكتشاف الأكذوبة ونتحال شخصية مزيفة أمر شائع بين معظم الرحالة في الشرق وحيث كل واحد منهم يتظاهر بالفرق ليتجنب استغلاله خاصة في مكة .
خلال كل رحلاتي بالشرق لم استمتع على الإطلاق وبكل معنى الكلمة مثلما استمتعت بمكة... وبالرغم من حالتي الصحية التي لم تسمح لي بالإفادة من كل المزايا التي أتيحت لي وأدود أن اعرض وصفا للمدينة وسكانها ومناسك الحج ثم استأنف سرد تفاصيل رحلتي .
عن مجلة العربي / لقيصر / مدريسة