كيف رأى الر حالة الأجانب مكة والمدينة
الجزء السادس :
المستشرق : ريتشارد بيرتون :
أما الجغرافي والمؤرخ والأنث وبولوجي مكتشف بحيرة تنجانيقا والذي ترجم كثيرا من المؤلفات العربية والفارسية الى الانجليزية الرحالة الايرلندي الشهير " ريتشارد بيرتون " فقد بدا رحلته الى مصر وبلاد العرب والشام عام 1853 وبعد ان طوف بنا في مكة المكرمة انتقل الى المدينة المنورة ليصف لنا عمارتها وجبالها واوديتها ودروبها وعدات اهل المدينة وتفاصيل حياتهم اليومية .
وقد استضافه " الشيخ حامد " في منزله بحي " المناخة " ويقول : " رغم ان منزل الشيخ حامد لم يكن واسعا فان المناظر المتبانية التي تبدو من نوافذ " المقعد " تجعل منه مكانا حيويا فناحية الشرق تشرف على ميدان بر المناخة وسور المدينة وما خلفه من منازل والباب المصري ومآذن الحرم النبوي وجبل احد على البعد .
ومن ناحية الشمال ترى مسجد محمد " صلى الله عليه وسلم " وجزءا من جدار الحصن ... والطبقة العليا في مجتمع المدينة تأثرت بالفخامة التركية والمصرية في معيشتها ... وتتشابه مساكن الفقراء .
وبيت الشيخ حامد هادئ ومقبول ولا تقع عيني على وجه امراة على الجاريتين الزنجيتين اللتين لم تتخليا عن مظاهر الحياء والاحتشام .
وعندما يطلع الفجر كنا نغتسل ونصلي ونتناول شيئا من الخبز اليابس قبل تدخين النارجيلة ثم نشرب فنجانا من القهوة بعد ذلك نرتدي ملابسنا لزيارة الحرم النبوي وغيره من الاماكن المقدسة الاخرى ثم نعود قبل ان يستعر لهيب الشمس نجلس لندخن ونتناول أقداح القهوة والماء المعطر بالمستكة ان يحين موعد الغذاء حيث نتحلق حول صينية عامرة باللحوم والخضروات المطبوخم والارز المسلوق الذي نتناوله بالملاعق ثم الفاكهة خاصة الاعناب والبلح والرمان .
ويطيب ليل المدينة عندما يرش الاهالي الماء منازلهم حيث تعقد مجالس مرحة ففوق حصر مفروشة امام الابواب .
وتحدث بيرتون عن قداسة المدينة والمكانة الرفيعة للمسجد النبوي مشيرا الى ان بعض المسلمين يعتقدون أن المدينة المنورة أكثر شرفا واعلى مرتبة روحية من مكة المكرمة وأن النبي قد فضل المدينة "دار هجرة " وباركها كما بارك ابراهيم مكة ... وأهل كل المدينتين يتباهون بالشرف الذي حازته مدينتهم.
وعن السمات الرئيسية لتكوين المدينة يقول بيرتون :
" تتكون المدينة المنورة من ثلاثة أجزاء : المدينة ذاتها ، والقلعة وضاحية ، مساحتها أصغر بقليل من اجمالي مساحة الاجراء الثلاثة والمدينة ذاتها أكبر من السويس بحوالي الثلث او نصف مساحة مكة تقريبا وللمدينة سور بيضاوي غير منتظم به اربع بوابات .
فالباب الشامي في الجانب الشمالي الغربي للسور يفضي الى جبل أحد وقبر حمزة " رضي الله عنه " والجبال .
وباب الجمعة في السور الشرقي يفضي الى الدرب النجدي " الطريق المؤدي لنجد " ومقبرة البقيع .
وبين الباب الشامي وباب الجمعة تجاه الشمال يوجد باب الضيافة أما الباب المصري فيقع الى الغرب ويفضي الى أهل يسمونه بر المناخة .
والبابان الشرقي " باب الجمعة " والمصري قد شيد عليهما مبنيان ضخمان جميلان لكن منهما برجان متقاربان دهنا على شكل أشرطة عريضة حمراء وصفراء والوان اخرى .
وهذان البابان لا يبعدان في شكلهما عن المدخل القديم لقلعة " صلاح الدين " في مصر " .
ويقول بيرتون عن المسجد النبوي الشريف :
" هذا المسجد الذي يحظى بالتبجيل والتوقير من كل مسلمي العالم وهو متوازي الاضلاع طوله نحو 420 قدما وعرضه 340 قدما يتوسطه صحن تحيط به اربعة اروقة ذات اعمدة رخامية تعلوها عقود مزخرفة ... وبطول جدار الشمالي يوجد الرواق المجيدي " نسبة الى السلطان عبد المجيد " أما الجدار الغربي فعنده رواق " بوابة الرحمن " وفي الجدار الشرقي " بوابة النساء " اما الجدار الجنوبي فيحوي أكثر المواضع قداسة في المسجد وهي " الروضة الشريفة " .
زقد بدأنا الدخول بالقدم اليمنى لنخطوا أمام الخط " المواجهة الشريفة " مرددا الدعوات التي كانت يدعوا بها الشيخ حامد .
عن شمالي حائط منخفض مزخرف بنقوش عربية به اربعة ابواب صغيرة يمكن العبور منها إلى الداخل حبث المحراب لنبوي والمحراب السليماني والمنبر وكلا المحرابين من الفسيفساء الجميلة المختلفة الوانها والمنبر من الخشب الارابيسك الرائع .
ومن الباب الغربي الصغير دخلنا الى الموضع الشهير بــــ " الروضة الشريفة " والى الشرق ضريح النبي محمد " صلى الله عليه وسلم " محاطا بمقصورة من الخشب الخرط البديع .
والمشهد الذي يثير الاعجاب ليلا تلك الانوار المنبعثة من الزجاج الملون في الجدار الجنوبي والنحاس المشغول الاصفر او المطلي أو اللون الاخضر وتنهبر العيون من اضواء القناديل وأنوار الشموع الضخمة ومن تعمق من في روح الشرق فسيدرك معنى " الفدروس " الذي قصده المعماري .
والضريح او " الحجرة " كما يطلق عليه كانت اساسا غرفة السيدة عائشة يفصلها عن المسجد ممر عرضه نحو 20 قدما ويحبط بالقبر احاطة كاملة سياج معدني مزخرف بكتابات وأشكال نباتية رائعة به اربعة ابواب : باب المواجهة ، باب فاطمة زهراء ، باب التوبة ، باب الشمالي وهو الوحيد الذي يفتح لدخول الطواشية لتنظيف الارضية واضاءة القناديل ورفع الهدايا التي يلقي بها بعض الزائرين .
وفي الجزء الجنوبي – من السياج توجد ثلاث طاقات ترتفع على الارض نحو 5 اقدام الاولى في تواجه قبرمحمد " صلى الله عليه وسلم " وتشتهر بــــ " شباك النبي " والثانية تطل على قبر أبي بكر والثالثة علي قبر عمر ابن خطاب وتعلو الحجرة الشريفة قبة خضراء يرتفع عليها هلال ضخم مذهب ...
والخيال المتوهج لبعض المسلمين جعلهم يتصورون أن هذا الموضع يصعد منه " نور رباني " يهدي خطى الحجيج على بعد مسيرة ثلاثة ايام من المدينة المنورة " .
لقيصر - مدريسة -