نزار قباني في ميزان الشعراء
الجزء الثاني
نزار قباني في رأى (صالح جودت) هو أول من اخترع كلمات العهر والهجاء والشتيمة في قصائد هذا
العصر، وأقحمها على قاموس الشعر.
هو يرى أن اهتمامه بالجنس في شعر نابع عن إحساسه بالعجز ويرى أيضا أن شعره كله " فارغ " وهو يستشهد في ذلك بإحدى قصائده التي يقول فيها:
مزقيها ...
كتبي الفارغة الجوفاء أن تستلميها
والعنيها .. العنيها
كاذبا كنت، وحبي لك وعود أدعيها
إنني اكتب للهو فلا تعتقدي ما جاء فيها
ويصب (صالح جودت) جام غضبه على مواقف نزار السياسية لأنه سب الأمة العربية كلها في كتابة هوامش على دفتر النكسة ، ولعن الشرق جميعا في قصيدته . (خبز وحشيش وقمر) ، و لأنه بعث رسائل من اسبانيا عام 1961 يلعن فيها الوحدة بين مصر و سوريا ويبارك الانفصال .
وقد وصل الأمر من بعض أعداء نزار إلى حد سرقة الصور والأخيلة من بعض الشعراء الأوروبيين كما ذكر الأديب الراحل (عباس الأسواني) في مقال له اتهم فيه نزار قباني بسرقة فكرة قصيدته الشهيرة (مع جريدة)من قصيدة الشاعر الفرنسي الشهير " (جاك بريفير) إفطار التي تضمنها ديوانه بارول - في صفحة 8 طبعة 1973 -.
واتهم عباس الاسولني نزار قباني بسرقة قصيدته الشهيرة " أوعية الصديد " والموقف الدرامي الذي بني عليها من الموقف الدرامي الذي صوره الشاعر الفرنسي بريفير في قصيدته " السلطان " .
وبناء على هذا دعا النقاد والشعراء إلى البحث عن أصول قصائد نزار قباني في دواوين الشعراء الغربيين.
وبعيدا عن الشعراء والنقاد جاء الهجوم على نزار قباني من جبهات أخرى فقد فتح الدكتور( سيد عويس) أستاذ علم الاجتماع النار على نزار قباني متهما إياه بممارسة السادية لأنه تجمد في مشاعره عند مرحلة المراهقة وان البنات يفضلن شعره لأنه يكتشف أنوثتهن الأولى بينما يحب الرجال الشرقيون قصائده لأن الرجل الشرقي يهتم بالجنس بالدرجة الأولى .
ويرى الدكتور سيد عويس أن نزار قباني لا يعبر عن الشباب العربي وانه مجرد ملهاة لظروفنا الحالية بل يعتبر ملهى مثل ملاهي شاعر الهرم وهولا يسمو بالغريزة الجنسية بل يثيرها و بخاصة في محيط الشباب ذكورا وإناثا في وقت عصيب تمر به الأمة العربية .
ولقد وصل الأمر - في سبيل الهجوم أو ركوب موجه الهجوم على نزار قباني – إن شاعرا أو " شويعرا " شابا يدعى احمد محمد عيسى رفع دعوي تمام إحدى المحاكم المصرية يتهمه فيها بسرقة قصيدة " اقرأ " من بين أشعاره الذي قال انه كتبها عام 1979 وسجلها بعنوان " وفاء " في الشهر العقار . وطالب هذا الشاعر نزار قباني بتعويض قدره مليونا جنيه.
وللحقيقة فان رد نزار قباني في هذه القضية كان مفحما وكافيا بطيء صفحة القضية فقد ذكر أن القصيدة منشورة في ديوانه الرسم بالكلمات الصادر في بيروت عام 1966 على الصفحات 520 و 521 و 522
"منشورات نزار قباني بيروت ".. وقال نزار إن القصيدة نشرت باسمه والشاعر المجهول مزال نطفة في رحم أمه.
ولكن أقسى موجات الهجوم على نزار قباني في السنوات الأخيرة كانت في الكتاب الذي أصدره الناقد اللبناني (جهاد فاضل) في كتابه " فتافيت شاعر " والذي وزع الآف النسخ في العالم العربي .
وقد كانت بداية فكرة الكتاب أو الشرارة التي أوقدت جذوته هي حوار دار بين الصحفي والناقد جهاد فاضل والشاعر الكبير نزار قباني في القاهرة ، قد شن فيه نزار قباني هجوما ضاربا على العالم العربي والكتاب العرب حتى انه قال : ثلاث أرباعهم يتعاملون مع مجلات وصحف معروفة مصادر تمويلها ، نصف الكتاب يقولون ربع الحقيقة والثلاثة أرباع الباقية يغيبونها .
وقال نزار قباني " هل ماتت الحساسية العربية أو الإحساس القومي، الصمت مطبق والسبب الحكم البوليس والحكم الفردي الديمقراطية مهروسة الليبرالية مهروسة، حرية الرأي مهروسة " .
ويبدو أن نزار عندما عاد إلى جنيف حيث يقيم تنبه إلى أن إجاباته قد تفسر على انه لا يقف موقفا سلبيا من الأنظمة العربية السلبية بقدر ما هو موقف أيد يلوجي من العرب كجنس وكقوم وانه هاجم الكل والقيم العربية كلها لذلك أعاد نزار كتابة الحوار ووضع الأسئلة و الأجوبة كما يريد وبعث بها إلى جهاد فاضل وطلب منه أن ينشرها بدلا من نشر ما تحدث به في القاهرة ولكن جهاد فاضل نشر حديث القاهرة في مجلة الحوادث اللبنانية ونشر ما بعث به نزار قباني من حوار مع صوره لرسالة نزار حمل بها في بعنف على الناقد وقال انه غير اسمه من جوزيف فاضل إلى جهاد ركوبا لموجة الجهاد و المجاهدين " ولان عدة الشغل تستلزم ذلك " .
وهكذا بدأت المعركة وانتقلت إلى أكثر من صفيحة ومجلة عربة انتهت بإصدار هذا الكتاب الذي يحمل عنوانا " فتافيت شاعر " وهو عنوان يحمل كثيرا من الإيحاءات والغمز واللمز ، ويعيد اتهام نزار ، بأنه كان يكتب بنفسه لشاعرة عربية شهيرة أصدرت ديوانا يحمل عنوانا على نفس الوزن . وهو ما يوحى بان الناقد استخدم كل الأساليب في هجومه الشرس والذي وصل إلى حد اتهام نزار بالشعوبية والجهل التاريخي السياسي، وانه غرق عندما انتقل من " نادي المرأة " إلى " نادي الوطنية ".
وبرغم أن شعبية المؤلف ولا شهرته قد أهلتاه لكي يهدم " صرح " نزار الشعري ، حتى إن البعض قال انه " سيبقى الشاعر ويحفظ الناس القصيدة ويبقى النقد مجرد فصل في تاريخ المعارك الأدبية " إلا أن ما أخذه الناس على نزار قباني هو ثورته الشديدة على الكتاب و التي وصلت إلى حد لجوءه للقضاء المصري طالبا مصادرة الكتاب وطلب تعويض قدره مائة ألف جنيه .
وقد اجمع النقاد – حتى المقربين إلى نزار قباني – انه وقع في سقطة كبيرة بهذا الفعل ، فهو قد مس بنفسه تاريخه الشعري و السياسي الذي ظل طواله يندد بالديكتاتوريات ويغني للحرية ويعطي دروسا في فنها حتى انه عندما صودر كتابه " هوامش على دفتر النكسة " كتب إلى عبد الناصر يقول " يا سيدي السلطان كلابك المفترسات فرقت ردائي " و يومها رثي نزار و طنا لم تعلمه الهزيمة أن يفتح أبوابه للشمس و تأثر عبد الناصر بهذه الرسالة الشهيرة فأمر برفع الحظر عنه .
وإذا كنا قد تحدثنا بإسهاب عن " أعداء " نزار قباني الذي كرهوه حتى الموت وتمنوا لو داسوه بأقدامهم كما قال صالح جودت، فإننا كمنصفين - أو هكذا نحاول – يجب علينا أن نرى الوجه الأخر.. وجه الذين أحبوه ورفعوه إلى القمة .. وهم في الحقيقة كثر ، اولهم جمهورهم العريض الذي قرأ دواوينه بنهم وجعله شاعر المليون نسخه وهو شرف لم ينله من قبله - ولا بعده – شاعر آخر من شعراء العربية .
لقيصر- مدريسة-